الميلاد والبداية
وُلِد الملياردير شيلدون أديلسون في بوسطن، ماساتشوستس في عام 1933 وأصبح رجل أعمال في سن مبكرة. وتُعَد قصة نجاح شيلدون أديلسون تجسيداً رائعاً لتجربة رجل أمريكي بسيط استطاع أن ينتقل من الفقر ليصبح واحداً من أكثر الأشخاص ثراءً حول العالم. كان والد شيلدون يعمل كسائق تاكسي وكذلك في مجال بيع الإعلانات بينما كانت والداته تدير متجراً صغيراً للحياكة. بدأ شيلدون العمل في سن مبكرة فكان يبيع الصحف، وعندما بلغ سن الثانية عشرة، امتلك شيلدون أول شركة له متخصصة في مجال بيع مستحضرات التجميل. وقد استطاع شيلدون تأسيس العديد من الشركات الناجحة، وخلال حقبة السبعينات من القرن الماضي، أطلق شيلدون معرض “كومديكس” المتخصص في تجارة الكمبيوتر. كما اتجه إلى إنشاء المنتجعات والكازينوهات في لاس فيجاس وآسيا. وخلال مرحلة لاحقة، دخل عالم السياسة وعُرِف عنه دعمه الكبير للحزب الجمهوري.
التعليم والكفاح في الحياة
نشأ الملياردير شيلدون أديلسون في أسرة فقيرة ووالدين مهاجرين من ليتوانيا وويلز. وفي طفولته، كان شيلدون ينام على الأرض. وقد بدأ شيلدون رحلة نجاحه في سن الثانية عشرة عندما اقترض 200 دولار من عمه واشترى رخصة ليبيع الصحف في بوسطن. وفي عام 1948 وعندما بلغ سن السادسة عشرة، اقترض شيلدون من عمه مرة أخرى مبلغ 10,000 دولار ليبدأ شركة متخصصة في تصنيع الحلوى. التحق شيلدون بإحدى مدارس التجارة لكي يصبح مراسلاً في المحاكم ثم التحق بالجيش بعد ذلك. كذلك، التحق شيلدون بكلية مدينة نيويورك ولكنه لم يكمل تعليمه بها.
وبعد تسريحه من الجيش، أسس شيلدون شركة لبيع أدوات التجميل، ثم أسس شركة أخرى “دي آيس إت” تبيع رذاذاً كيميائياً يساعد في تنظيف زجاج السيارات. وفي عام 1960، أسس شركة لتنظيم الرحلات. وما لبث بعدها إلا أن أصبح مليونيراً. وفي الثلاثينات من عمره، كان شيلدون قد كوّن ثروته وفقدها مرتين. وعلى مدار حياته المهنية، أسس شيلدون ما يقرب من 50 شركة.
بعد أن ترك الملياردير شيلدون أديلسون الجيش، عمل كوسيط رهونات ومستشار استثماري. وفي أوائل الستينات من العام الماضي، عاد إلى بوسطن واستثمر في العديد من الشركات، من بينها شركة “ذا أمريكان إنترناشونال ترافل سيرفيس” المتخصصة في السفر والرحلات. والتي حققت أرباحاً طائلة. ولكن نجاحه لم يدم طويلاً نتيجة لتراجع سوق الأسهم في أواخر الستينات.
بدايات الحياة المهنية والمصاعب التي واجهها شيلدون أديلسون
في أوائل السبعينات من القرن الماضي، انتعشت أعمال الملياردير شيلدون أديلسون في مجال الوساطة العقارية في بوسطن لفترة من الزمن قبل أن يشهد السوق تراجعاً. ثم اشترى شيلدون شركة متخصصة في نشر المجلات من بينها “داتا كومينيكشنز يوزر”. وحدث نفس الأمر في مجال الكمبيوتر حيث اشترى شيلدون شركة كمبيوتر وأطلق معرضاً متخصصاً في تجارة الكمبيوتر.
مرحلة النجاح: جوهر النجاح وسبيله وأسبابه
بعد النجاح الذي حققه في عام 1973، باع الملياردير شيلدون أديلسون عقارات يمتلكها، بالإضافة إلى شركة النشر وانصب تركيزه على العمل في مجال الكمبيوتر، فقام بإطلاق “إنترفيس جروب”. وقد بدأت الشركة في النمو ببطء محققة عوائد بقيمة 250,000 دولار فقط في العام الأول. وفي نفس هذا الوقت تقريباً، التقى شيلدون زوجته الأولى، ساندرا، وتبنيا ثلاثة أطفال ولكنهما انفصلا في عام 1988.
وفي عام 1979، أطلق شيلدون معرض “كومدكس” لتجارة الكمبيوتر في فندق إم جي إم غراند في نيفادا. وقد كان توقيت المعرض مثالياً حيث كانت صناعة الحواسيب الشخصية في بداية انطلاقها. وبينما كانت علامات تجارية مثل آي بي إم وآبل ومايكروسوفت تبدأ نموها السريع، كان المعرض الذي أطلقه شيلدون حاضراً ليعرض منتجات هذه الشركات. وبحلول عام 1987ـ أصبح معرض “كومدكس” أكبر معرض تجاري في لاس فيجاس. وبنهاية العقد، حققت شركة “إنترفيس جروب” صافي دخل بلغ 250 مليون دولار، وتوّسع معرض “كومدكس” ليغطي عدة دول أخرى.
وفي أواخر الثمانينات من القرن الماضي، بدأ الملياردير شيلدون أديلسون وشركاؤه البحث عن عقارات فندقية لإضافتها إلى شركات السفر والسياحة لتصبح مجموعة متكاملة. وفي عام 1988، اشتروا كازينو “ذا ليجندري ساندز” مقابل 128 مليون دولار وأعاد شيلدون تصميمه على طراز خاص. كما أنشأ منتجعاً ومركزاً تجارياً ومركز مؤتمرات لاستقبال الفاعليات التي تنظمها شركته، بما في ذلك معرض “كومدكس”. وفي هذه الأثناء، بدأت معاركه مع الجهات التنظيمية بينما كان يشيّد الكازينو ومركز المؤتمرات الجديد.
في عام 1991، التق الملياردير شيلدون أديلسون بزوجته مريم، وهي طبيبة إسرائيلية متخصصة في علاج تعاطي المخدرات. وخلال قضاء شهر العسل في إيطاليا، استلهم فكرة إنشاء منتجع ضخم على الطراز المعماري السائد في مدينة فينيسيا الجميلة. وفي عام 1995، باع شيلدون “كومدكس” لشركة يابانية في مقابل 860 مليون دولار وتجاوزت حصته الشخصية 500 مليون دولار. كما أنهى شيلدون شراكته مع “إنترفيس” وأنشأ منتجعاً متكاملاً يضم فندقاً وكازينو ومعرض “ساندز إكسبو” ومركز مؤتمرات. وعلى الرغم من معاركه القانونية والتعاقدية مع النقابات والمقاولين، أُفتُتِح الفندق في عام 1999 وحقق نجاحاً مبهراً.
وعقب نجاح الفندق الفينيسي، تلقى الملياردير شيلدون أديلسون عرضاً غير قابل للرفض، فقد دخل في مفاوضات لبناء فندق آخر على شواطئ جزيرة مكاو الصينية. وحالياً أصبح هذا الفندق والكازينو من أكبر كازينوهات القمار في آسيا. وفي عام 2006، حصل شيلدون على ترخيص لبناء منتجع وكازينو في “مارينا باي”، سنغافورة، وأُفتُتِح الكازينو في عام 2010 وكان قد تكلّف 5.5 مليار دولار.
معلومات حول ثروته الحالية
في عام 2007، أشارت التقديرات إلى أن ثروة شيلدون أديلسون تبلغ 26.5 مليار دولار، وهو بذلك يأتي في المرتبة الثالثة في قائمة أكثر الأشخاص ثراءً في الولايات المتحدة وفقاً لفوربس.
وفي عام 2008، انخفضت أسعار الأسهم في شركة “لاس فيجاس ساندز”. وفي شهر نوفمبر من نفس العام، أعلنت الشركة احتمال تعرضها للإفلاس. وخلال عام 2008، فاقت خسارة شيلدون خسارة أي ملياردير أمريكي آخر بمبلغ 4 مليار دولار أكثر. وفي عام 2009، انخفض صافي ثروة شيلدون أديلسون من 30 مليار دولار إلى 2 مليار دولار أي أنه خسر 25 مليار دولار أو 93% من إجمالي ثروته. ووفقاً لتصنيف فوربس لمليارديرات العالم خلال عام 2009، احتل شيلدون المركز 178 بصافي ثروة بلغ 3.4 مليار دولار. وفي هذا الصدد، يقول شيلدون “الخوف هو أصعب شيء قد يواجه رجل الأعمال. فينبغي على رجل الأعمال أن يتسم بمستوى بسيط من القلق ولكن لا يرقى لدرجة الخوف”. ولكن بحلول عام 2011، وبعد أن استعاد عمله عافيته، احتل المركز 16 في قائمة أكثر الأشخاص ثراءً على مستوى العالم بصافي ثروة بلغ 23.3 مليار دولار.
وفي عام 2013، احتل قمة قائمة “الرابح الأكبر” السنوية التي تصدر عن فوربس بعد النجاح المبهر الذي حققته الكازينوهات التي يمتلكها في مكاو وسنغافورة. وفي ديسمبر 2014، بلغ صافي ثروته 30.4 مليار دولار.
حوار مع شيلدون أديلسون
في مقابلة مع “ذا جويش برس”، تحدث شيلدون أديلسون عن خلفيته وأمور عديدة عن حياته وعمله.
دعنا نعود إلى البداية: أين نشأت؟
لقد عشنا في الحي اليهودي في بوسطن، وكنت أطلق عليه الحي الفقير. وكان والداي فقيران للغاية ولا يستطيعان العيش بدون قروض. وكان الدائن دائم الزيارة لنا ويتدخل في جميع شئون العائلة، حتى ظننت أنه عمي.
كيف هي الحياة في مثل هذه الظروف الصعبة والفقر؟
لسنوات عديدة، عاشت الأسرة بكاملها، أبي وأمي وأخوتي في غرفة نوم واحدة. وفي غرفة المعيشة، افتتحت أمي متجراً صغيراً للحياكة. الشيء الأبرز الذي لا أستطيع نسيانه هو حصالة النقود التي كانت موجودة دائماً على منضدة الطعام حيث كان أبي يعود يومياً من عمله كسائق تاكسي ويضع النقود التي في جيبه في تلك الحصالة.
أتذكر أنني سألت والدي ماذا نفعل بعد أن تمتلئ الحصالة، فأجابني قائلاً “سوف نتبرع بها للفقراء”. فقلت له “ألسنا فقراء؟” فقال “هناك دوما من هم أكثر فقراً وبالتالي يحتاجون لمساعدتنا”. لم أقتنع بهذه الإجابة لأنني لم أتلق مساعدة من أي شخص قط. وفي ذلك الوقت، حصل والدي على وعد مني بأن أحرص على وضع النقود في الحصالة. ولكني لم أف بهذا الوعد، وأعتقد أنه سوف يسامحني لأنني أتبرع بمبالغ كبيرة.
متى بدأت العمل؟
عندما كنت في التاسعة من عمري تقريباً، كان عليّ أن أعمل لمدة 3 سنوات حتى أستطيع ادخار 35 دولار لشراء دراجة. كما عملت في تصليح الدراجات وإزالة الثلوج من أمام المنازل، بالإضافة إلى غيرها من الوظائف الغريبة. ولكنني بدأت عملي الحقيقي في سن الثانية عشر، عندما اشتريت كشكاً لبيع الصحف. وكان الأمر يشبه شراء حق امتياز لبيع الصحف من شخص آخر.
عندما كنت طفلاً، هل كان لديك تصميم أن تصبح ثرياً؟
لا، لم أفكر مطلقاً في أن أكون ثرياً. ولكن الرغبة في الإنجاز كانت هي الدافع الحقيقي لي ولغيري من رجال الأعمال.
كونك شخص يهودي، هل أثّر ذلك الأمر على حياتك؟
نعم، على الرغم من أن والدي لم يكن متديناً، إلا أن أجدادي كانوا متدينين. كما أننا كنا نرتاد مدارس عبرية ونذهب إلى المعبد في العطلات. وعندما نشأت دولة إسرائيل، كان أبي مسروراً للغاية، وكان دائماً يرغب في السفر إلى إسرائيل ولكن لم تكن لدية القدرة على تحمل تكاليف ذلك. وعندما تمكنت من جمع المال الكافي، كان أبي قد أصبح كبيراً في السن ومريضاً ولا يستطيع تحمل مشقة السفر إلى إسرائيل.
هل رآك والداك وأنت تذهب إلى إسرائيل؟
لا، فقد توفيا في عام 1985.
أعمال شيلدون أديلسون الإنسانية والخيرية
بداية من عام 2000، بدأ شيلدون أديلسون دعم المرشحين السياسيين مادياً ومعنوياً. كان شيلدون في الأصل ينتمي للحزب الديمقراطي، ثم تحوّل إلى الحزب الجمهوري بعدما نمت ثروته. فقد كان شيلدون يشعر بعدم الرضا تجاه الضرائب المرتفعة ودخل في العديد من الصدامات مع النقابات العمالية المدعومة من جانب الديمقراطيين. وفي عام 2004، ساهم شيلدون بمبلغ 250,000 دولار لمساندة جورج بوش الابن لتولي فترة رئاسة ثانية. وفي عام 2008، أصبح الداعم الرئيسي لمؤسسة “فريدومز ووتش” التي تأسست بشكل أساسي لمواجهة نفوذ جورج سوروس وغيره من المليارديرات الموالين للحزب الديمقراطي.
وفي عام 2005، تبرّع شيلدون بمبلغ 1 مليون دولار لصالح دعم الحملة الرئاسية للمرشح نيوت جينجريتش. وبحلول فبراير 2012، كان أديلسون وزوجته قد تبرعا بمبلغ 10 مليون دولار إضافية لصالح حملة نيوت جينجريتش التي لم تلق نجاحاً. وبعد فترة وجيزة، تحوّل شيلدون لدعم المرشح ميت رومني من خلال التبرع بمبلغ 20 مليون دولار لحملته الانتخابية، ولكن رومني خسر لصالح الرئيس السابق باراك أوباما. وبلغ إجمالي تبرعات شيلدون أديلسون 93 مليون دولار خلال انتخابات 2012.
وفي عام 2014، تبرّع شيلدون بمبلغ 2.5 مليون دولار لصالح مؤسسة “درج فري فلوريدا كوميتي”، ثم تبرع مرة أخرى بمبلغ 1.5 مليون دولار لمبادرة القضاء على إدمان الماريجوانا. وفي عام 2016، غيّر شيلدون أديلسون سياسته وبدلاً من دعم المرشحين الرئاسيين الذين يتوافقون تماماً مع نهجه واتجاهه السياسي اتجه لدعم المرشحين الأكثر شهرة وانتشاراً.
تبرّع شيلدون أديلسون بملايين الدولارات للعديد من المؤسسات الخيرية، ومن بينها مراكز البحوث الطبية وعيادات علاج الإدمان ومؤسسة ” Birthright Israel” التي تنظم رحلات للأطفال إلى القدس. كما تبرّع الزوجان أيضاً لشهداء وأبطال الهولوكوست ومتحف الهولوكوست. ويشغل شيلدون عضوية مجلس إدارة المتحف التذكاري للهولوكوست بواشنطن. وفي عام 2007، أنشأ شيلدون صندوق أديلسون الخيري للأسرة، والذي من المتوقع أن يتبرع بمبلغ 200 مليون دولار لمناصرة القضايا اليهودية والإسرائيلية.
الدروس المستفادة من حياة شيلدون أديلسون
خلال تلبيته لدعوة أحد أصدقائه من طلاب جامعة بوسطن، شارك شيلدون أديلسون خلاصة خبرته الطويلة مع مجموعة من الطلاب الذين حضروا هذا اللقاء. وأشار شيلدون إلى أن الوفاء بالوعود هو أهم ما يميز رجل الأعمال الناجح، وأشار كذلك إلى أهمية التبرع لصالح العمل الخيري وأنه قد تعلّم هذا الأمر من والده الذي كان يعمل كسائق تاكسي. وعلى الرغم من الفقر الشديد الذي كانت تعانيه الأسرة، كان حريصاً على التبرع للفقراء.
وفيما يلي أهم مقولات شيلدون أديلسون:
“ينبغي أن يكون هدف رجل الأعمال هو تحقيق الرضا عن الذات وليس المال”.
“ينبغي عليك مواجهة الوضع الراهن”.
“كن مستعداً للمخاطرة. فليس ثمة مكسب دون مخاطرة”.
“ينبغي أن يحصل الموظفون على الترقية بناءً على الجدارة أولاً، ثم الأقدمية بعد ذلك”.