ريادة أعمال

قصة نجاح الملياردير العصامي فرانسوا بينولت

وُلد في أسرة فقيرة وعانى في طفولته بسبب احتلال ألمانيا لفرنسا

الميلاد والبداية

تحمل قصة نجاح فرنسوا بينولت الكثير من الإلهام لأولئك الذين لديهم أحلام كبيرة ويسعون لتحقيقها من خلال المثابرة والاجتهاد في العمل.  وبصرف النظر عن أي ظروف محيطة بالإنسان، يُعَد الانشغال بمعتقدات الآخرين وأراءهم السلبية أكبر عائق أمام تحقيق النجاح. أما الأشخاص الذين يستطيعون تحويل الآراء والتعليقات السلبية إلى وقود لتغيير حياتهم إلى الأفضل وتحقيق النجاح فهم بالتأكيد من يربح في النهاية. وبالتأكيد رجل الأعمال الفرنسي وجامع التحف فرنسوا بينولت من هؤلاء.

فرنسوا بينولت رجل أعمال فرنسي وجامع للتحف الفنية وُلِد في 21 أغسطس/آب 1936 في كوت درمور شمال بريتاني لأسرة متواضعة يعمل عائلها في تجارة الخشب. وتبلغ ثروة فرنسوا حوالي 15.1 مليار دولار وهو يشغل منصب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة “بي بي آر” المعروفة حالياً بـ “كيرينغ”. ويُعَد فرنسوا بينولت واحداً من أكبر رجال الأعمال وجامعي التحف الفنية في فرنسا، وهو حالياً المساهم الأكبر والرئيس الشرفي لشركة “كيرينغ”.


التعليم والكفاح في الحياة

وُلِد فرنسوا بينولت لأسرة ريفية فقيرة، وترك المدرسة في سن الخامسة عشرة. وخلال الاحتلال الألماني لفرنسا، اعتاد فرنسوا أن يحمل الطعام إلى جنود الحلفاء المختبئين بالقرب من منزل العائلة في بريتاني. وفي إحدى المرات، تعرّض للضرب بقسوة هو ووالده على يد الجنود الألمان حتى يرشد عن مكان جنود الحلفاء.

ساءت الأمور للغاية بالنسبة لفرنسوا عندما كان يعايره زملاؤه في المدرسة الثانوية بكونه فقيراً مما دفعه إلى ترك المدرسة. ولكنه نجح في تحويل الخبرات السيئة في حياته إلى طاقة إيجابية ومع التصميم والإصرار والمثابرة والعمل الجاد، استطاع تحقيق النجاح. وفي نهاية المطاف أصبح واحداً من أكثر رجال الأعمال ثراءً وامتلك العديد من بيوت الأزياء الشهيرة من بينها ستيلا مكارثي وألكسندر ماكوين وإيف سان لوران.


بدايات الحياة المهنية والمصاعب التي واجهها فرانسوا بينولت

منذ نعومة أظفاره، تعلّم فرانسوا بينولت الإصرار والتصميم والاجتهاد في العمل، وبعد ما يقرب من خمسين عاماً، أصبح رجل الأعمال الأكثر ثراءً في فرنسا ومن القليلين الذين لديهم رقم الهاتف الشخصي للرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك. بعد أن ترك فرنسوا بينولت المدرسة في عام 1947، عمل في تجارة الأخشاب مع والده. وخلال حقبة السبعينات من القرن الماضي، بدأ في شراء شركات صغيرة وتحويلها إلى مؤسسات ضخمة. وقد ساعدته هذه الاستراتيجية الناجحة في تأسيس إمبراطورية كبيرة من الشركات. وفي عام 1986، اشترى الشركة الرائدة في صناعة الخشب الرقائقي في فرنسا “إيسوروي” وخفض عدد موظفي المكتب الرئيسي من 700 إلى 25 في غضون شهرين.


مرحلة النجاح: جوهر النجاح وسبيله وأسبابه

منذ مرحلة مبكرة من حياته، أظهر فرانسوا بينولت ميلاً نحو تحمل المخاطر والرغبة في إعادة هيكلة الشركات الصغيرة لتصبح مؤسسات عملاقة مدفوعاً بالإصرار والحماس والرؤية الثاقبة. وتمتلك شركته القابضة “أرتميس” العديد من الشركات من بينها كونفيرس للأحذية وسامسونايت للحقائب وشاتو لاتور ومنتجع فيل سكي ريزورت في كولورادو. كما تمتلك “أرتميس” أيضاً شركة التأمين إكزكيكتيف لايف إنشورانس (أورورا لايف). وقد دخل فرانسوا بينولت في صراع مع رجل أعمال فرنسي آخر هو بيرنار أرنولت من أجل الاستحواذ على بيت الأزياء الإيطالي الشهير “غوتشي”. وقد انتهى الصراع في عام 2001 عندما وافقت شركة “إل في إم إتش” على بيع حصتها في “غوتشي” لشركة “بي بي آر” المملوكة لفرنسوا بينولت مقابل 94 دولاراً للسهم الواحد.

وفي عام 1998، اشترى فرانسو بينولت النصيب الأكبر في دار مزادات كريستيز.


معلومات عن ثروته الحالية

تبلغ ثروة فرانسوا بينولت، رجل الأعمال وجامع التحف الفرنسي الشهير، ما يقرب من 15 مليار دولار وفقاً لفوربس. ويُعَد فرنسوا بينولت هو المساهم الأكبر في شركة “بي بي آر” التي تمتلك مجموعة “غوتشي” (إيف سان لوران وبالينسياغا وبوتيغا فينيتا وألكسندر ماكوين). وفي عام 1992، أنشأ شركة “أرتميس” وهي شركة خاصة مملوكة بالكامل لعائلة بينولت. وتسيطر “أرتميس” على شركة “شاتو لاتور” في بوردو ومجلة “لوبوان”.


حوار مع فرانسوا بينولت

في السطور التالية، نتناول أهم جوانب الحوار الذي أجراه فرانسوا بينولت مع آلان ألكان لمجلة “سبيرز”.

يقع مكتب فرانسوا بينولت في أحد الفنادق الفخمة على مسافة دقائق قليلة من قصر الإليزيه. وعندما التقينا فرانسوا، كان في كامل أناقته التي يغلب عليها طابع البساطة، وكذلك كانت البساطة هي الطابع المميز لمكتبه. وعندما سألت فرنسوا بينولت عما إذا كان يشعر بأنه قد تغيّر بمرور الوقت، بعد أن كان ينتمي لأسرة فقيرة تعمل في تجارة الأخشاب، والآن تُقدَر ثروته بحوالي 13 مليار دولار، فأجاب فرنسوا قائلاً ” لقد تركت قريتي وانتقلت إلى مدينة صغيرة، ثم انتقلت بعدها إلى باريس. ومع ذلك لا يزال لديّ شغف بالمعرفة واكتشاف العالم من حولي. وعلى الرغم من الثروة التي جمعتها، لم أنس المصاعب التي تعرضت لها في حياتي، وتعلمت أيضاً أن أكون بسيطاً في حياتي وأن أعيشها دون تعقيدات. وأنا لا أتعلق كثيرا بالماضي، لأن الحنين الزائد إلى الماضي يسبب الكثير من الحزن. ولطالما كان هدفي هو العمل والنجاح وتكوين ثروة لكي أنتقل إلى طبقة اجتماعية أعلى ولا أظل معتمداً على الآخرين.

وعبّر فرنسوا عن ندمه لعدم استكمال دراسته والالتحاق بالجامعة، حيث عمل في تجارة الأخشاب مع والده ثم ذهب مع الجيش الفرنسي إلى الجزائر. وفيما بعد، عندما اتسع عمله في مجال تجارة الأخشاب، بدأ في توظيف كوادر يظن أنها تفوقه من حيث الخبرة والمهارة. وقد تميز فرانسوا باجتهاده في العمل حيث كان يبدأ يومه في تمام الساعة الخامسة صباحاً ويقول فرنسوا “إذا أردت أن تصنع فارقاً، فعليك بالاجتهاد في العمل. فأنا لا أمارس التنس أو الغولف أو التزلج”.

وأضاف فرنسوا “في نهاية حقبة السبعينات من القرن الماضي، بدلاً من أن أقنع بنجاحي المحلي ومنزلي وسيارتي المرسيدس، قررت الانتقال إلى باريس ودخول عالم الأعمال الضخمة من خلال شراء شركات جديدة وبيعها. وخلال فترة الثمانينات، تركت العمل في مجال تجارة الأخشاب. وعلى الرغم من الثروة الكبيرة التي كونتها والأصدقاء الجدد الذين تعرفت إليهم، لم أكن أشعر بالسعادة. وكذلك لم تكن لديّ رغبة في الانخراط في الحياة الاجتماعية وتكوين المزيد من العلاقات، فأنا أؤمن أن الوقت هو أهم أدوات رجل الأعمال الناجح ويجب استغلاله جيداً”.

يُعَد بينولت صديقاً مقرباً للرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك، كما يصف الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند قائلاً “إنه شخص منفتح ومن السهل الحديث معه. ومن الضروري للسياسيين أن تكون لديهم القدرة على التواصل مع رجال الأعمال”. كما عبّر فرانسوا بينولت عن رغبته في عدم ترك فرنسا وأشار إلى أنه سوف يبقى في فرنسا ولن يغادرها.

وعندما سألته عن كيف أصبح رجل أعمال يتمتع بشهرة عالمية، أجاب فرانسوا بينولت قائلاً ” لقد فهمت العولمة جيداً، وكنت مقتنعاً بفرص النمو المتاحة أمام العلامات التجارية الشهيرة على مستوى العالم. لذا، عندما كان ابني الأكبر، فرنسوا هنري موجوداً في كاليفورنيا، أدركت أنه مهتم بعالم الموضة وأنه حان الوقت لندخل إلى هذا العالم الجديد. وعندما سنحت لنا الفرصة في نهاية تسعينات القرن الماضي لشراء “غوتشي”، لم أتردد على الإطلاق، ثم تلا ذلك علامات أخرى من بينها إيف سان لوران وبالينسياغا وبوتيغا فينيتا وألكسندر ماكوين وستيلا ومكارتني.

وعندما سُئل فرنسوا بينولت عن شركة “كريستيز”، أجاب قائلاً “لقد اشترت “أرتميس” علامة “كريستيز” وهي علامة استثنائية ولكنها كانت تمر بفترة صعبة، ولكن الأمور الآن تحسنّت وازدهرت الشركة. وعندما تطرق الحديث إلى “شاتو لاتور”، قال بينولت “لقد نشأت في مجتمع زراعي، ولطالما أردت أن استثمر أموالاً في شركات موجودة في مناطق ريفية. وبعبارة أخرى أردت أن أمتلك مساحة من الأرض الزراعية (مزرعة عنب من أغلى الأراضي وأكثرها شهرة). وقد علمت من خلال بعض الأصدقاء أن مالكي “شاتو لاتور” يريدون بيعها. لذا جاء رد فعلي سريعاً وقمت بزيارة المزرعة واشتريتها وأصبحت واحدة من أفضل استثماراتي.

يتبع فرانسوا بينولت نفس نهج ونستون تشرشل القائم على عدم الاستسلام مهما كانت الظروف. فمهما ساءت الأمور، فلابد أن يجد لها مخرجاً. وهذه الاستراتيجية مفيدة سواء في مجال العمل أو في الحياة الشخصية. ويحرص فرانسوا بينولت على غرس هذه المبادئ في أبنائه الذين لم يقضوا معه وقتاً طويلاً خلال طفولتهم، ولكنهم الآن أكثر قرباً منه. ويمتلك فرانسوا بينولت ثلاثة من الأبناء هم فرنسوا هنري الذي درس العلوم الاقتصادية ودومنيك الذي يعمل محامياً، بالإضافة إلى ابنته لورنس التي تعمل في مسرح مارينيي.

عندما يتحدث فرانسوا بينولت، تلمع عيناه وتمتلئ بالحماس، وهو دائماً ما يشعر بالاهتمام بعمله حتى خلال العطلات. ويمتلك فرانسوا العديد من المنازل في أماكن كثيرة حول العالم من بينها بالتأكيد فرنسا ولندن ونيويورك وفينسيا.

يؤمن فرانسوا بينولت بأهمية الطعام الجيد والمشروبات المنعشة في التأثير على حالته المزاجية وخلق أجواءً مريحة ومثالية لعقد الاجتماعات أو إجراء المحادثات. وتمتلك زوجته ماريفون، التي كانت تعمل في تجارة الأنتيكات في مدينة رين، أهم مجموعة أثاث في فرنسا كلها تعود إلى القرن الثامن عشر. وفي عام 2005، اشترى قصر غراسي وبعدها في عام 2007، اشترى أيضاً متحف بونتا ديلا دوجانا لعرض مجموعته النادرة من التحف الفنية.

يفضّل فرانسوا بينولت إيطاليا على غيرها من البلاد ويرى أن الإيطاليين يستمتعون بحياتهم فهم يرتدون أفخر الملابس ويتزوجون نساء جميلات. كما يستمتع فرانسوا بينولت بجمع التحف والأعمال الفنية الإيطالية التي تجسّد الحضارة الرومانية العريقة على مر العصور. ليس هذا فحسب، فبينولت مهتم أيضاً بالفن الحديث ويحرص على اقتناء أعمالاً فنية لنخبة من أشهر الفنانين المعاصرين.

وعندما دار الحديث حول الاقتصاد، أشار بينولت إلى أن أوربا يجب أن تدافع عن نفسها ككيان موحد. فعلى سبيل المثال، عندما تمر دول جنوب أوربا بفترات اقتصادية صعبة، يجب على الدول الأخرى الأكثر ثراءً مثل فرنسا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا أن تسعى لمساعدة هذه الدول باعتبارهم شركاء تجاريين. كما يرى فرانسوا بينولت أن أوروبا هي المكان المثالي لأعماله ولا يوجد خيار آخر، فالشرق الأوسط على سبيل المثال يعاني من حالة دائمة من عدم الاستقرار.

كما يرى فرانسوا بينولت أن الصين ستظل قوة عظمى على الرغم من التراجع البسيط الذي يشهده اقتصادها. وكذلك البرازيل الآن تُعَد قوة ناشئة بإمكانات هائلة. أما أفريقيا فهي بحاجة إلى بعض الوقت.

أما الخطر الأكبر الذي يواجهنا حالياً من وجهة نظر فرانسوا بينولت فيتمثل في العودة إلى الشعبوية، ويصر بينولت على ضرورة التعامل مع حقيقة أن أكثر من 400 مليون شخص أوروبي يعيشون حالياً في بيئة مستقرة سياسياً. أما بالنسبة، لفرنسا فالأمر يسير ببطء ولكن هناك ثقة في المستقبل في ظل قدرة فرنسا على تخطي الأوقات الصعبة.


أعمال فرانسوا بينولت الإنسانية والخيرية

تهتم مؤسسة “كيرينغ” بالدفاع عن حقوق المرأة، وقد دخلت في شراكات مع العديد من المنظمات غير الحكومية والمؤسسات الاجتماعية. كما تم إنشاء إدارة خاصة بالاستدامة داخل المؤسسة تولت القيام بالعديد من المبادرات البيئية والاجتماعية. وبالإضافة إلى ذلك، هناك العديد من العلامات المملوكة لعائلة بينولت والتي تساهم في العديد من المشاريع الإنسانية والخيرية من بينها “غوتشي” التي أطلقت مبادرة “أجراس التغيير” بقيادة فريدة جيانيني، مديرة الشركة وبمشاركة الممثلة الشهيرة سلمى حايك من أجل دعم حقوق المرأة فيما يتعلق بالتعليم والصحة والعدالة الاجتماعية.


الدرس المستفاد من حياة فرانسوا بينولت

ترك فرانسوا بينولت المدرسة لأن زملائه كانوا يسخرون من فقره، ثم نجح في تكوين إمبراطورية أعمال ضخمة. وهذا الأمر ينطوي على مغزى كبير مفاده أن سخرية الآخرين ونقدهم السلبي قد يكون وسيلة لتوليد قوة داخلية دافعة لتحقيق النجاح.


يمكنك قراءة المقال التالي: ما هي نوعية الأسهم التي يجب شراؤها والاستثمار فيها؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى